إن الدعوة إلى الله وإصلاح النفوس من الركائز المهمة في المجتمع الإسلامي وهي تعني إقامة فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وزرع روح الأمل والتوبة وتجديد العهد مع الله عز وجل وإبلاغ دين الله سبحانه وتعالى للناس ولقد اختص الله عز وجل الأمة الإسلامية بالخيرية وذلك لقيامها بهذه المهمة العظيمة ، قال الله سبحانه وتعالى في سورة آل عمران ((كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ ...)) الآية 110 ، ويمثل المسجد المكان الذي تنطلق منه قوافل الدعوة إلى الله عز وجل لتبليغ دين الله سبحانه وتعالى للناس ولقد كان رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينطلقون من المسجد إلى ملوك الأرض وأصقاعها مبلغين دعوة الإسلام ومبشرين بهذا الدين العظيم .
وكان المسجد هو الحصن الذي يلجأ إليه الذين يريدون إعلان توبتهم بل وإسلامهم ، فلقد حصلت معجزات عده في المسجد من أناس أرادوا الشر وجاؤا لقتل النبي صلى الله عليه وسلم ولكن في المسجد انقلب كيانهم في لحظات وتحولت نفوسهم حتى أعلنوا شهادة التوحيد وخرجوا من المسجد بغير الوجه الذي دخلوا به ففي قصة عمير بن وهب الجمعي مع صفوان ابن أمية حين تذكروا قتلى بدر ثم تكفل صفوان بدين عمير وعياله على أن يقوم الثاني بالذهاب إلى المدينة وقتل النبي صلى الله عليه وسلم فلما وصل المدينة ودخل على النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد تغير حاله وأعلن اسلامة .
قال عروة: ثم أمر عمير بسيفه فشُحذ له وسُمّ، ثم انطلق حتى قدم المدينة، فبينا عمر بن الخطاب في نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر، ويذكرون ما أكرمهم الله به، ..........
ثم دخل عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله، هذا عدو الله عمير بن وهي قد جاء متوشحا سيفه، قال: فأدخله عليّ، فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه فلببه بها، ......، ثم دخل به على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمر آخذ بحمالة سيفه في عنقه، قال: أرسله يا عمر، ادن يا عمير، فدنا ثم قال: أنعموا صباحا، وكانت تحية أهل الجاهلية بينهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير، بالسلام: تحية أهل الجنة، فقال: أما والله يا محمد إن كنت بها لحديث عهد.
قال: فما جاء بك يا عمير؟ قال: جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم فأحسنوا فيه، قال: فما بال السيف في عنقك؟ قال: قبحها الله من سيوف، وهل أغنت عنا شيئا؟ قال: اصدقني، ما الذي جئت له؟ قال: ما جئتك إلا لذلك، قال: بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر، فذكرتما أصحاب القليب من قريش، ثم قلت: لولا دين علي وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمدا، فتحمل لك صفوان بدينك وعيالك على أن تقتلني، والله حائل بينك وبين ذلك.
قال عمير أشهد أنك رسول الله، قد كنا يا رسول الله نكذبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء، وما ينزل عليك من الوحي، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان، فوالله إني لأعلم ما أتاك به إلا الله، فالحمد لله الذي هداني للإسلام، وساقني هذا المساق، ثم شهد شهادة الحق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فقهوا أخاكم في دينه، وأقرئوه القرآن، وأطلقوا له أسيره))، ففعلوا. فمن المسجد تحول من عدو لله ورسوله إلى داعية ومبلغ للامانه .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتجز في المسجد الضال رجاء أن يهتدي عند سماعة للقران ومشاهدته لعبادة المؤمنين وهذا ما حصل لوفد ثقيف حيث بنا لهم رسول الله الخيام في المسجد .
وفي المسجد تستقبل التوبة من العصاة ويتعرضون لقبولها من الله عز وجل ففي قصة لبابه ابن المنذر حين رق لليهود واخبرهم بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم وهو الذبح وندمه على ذلك وشعوره بالذنب فما كان منه إلا أن توجه إلى المسجد وربط نفسه فيه لأكثر من عشرة أيام حتى انزل الله سبحانه وتعالى عليه توبته في سورة التوبة ((وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )) الآية (102)
هذه الأدوار التربوية كانت تمارس في المسجد فهو بمثابة المركز الإسلامي الكبير الذي تنطلق منه الدعوة وإصلاح النفوس في الداخل والخارج وتمثل خطبة الجمعة مرتكزا دعويا حيويا .
ولو فهم اليوم دور المسجد في نشر رسالة الإسلام لأصبح مركز إشعاع إيماني وركيزة نور رباني يربي الأرواح ويطهر القلوب ويبث مفاهيم الإسلام السامية بشموليتها من جنباته ،
فيؤدي المسجد رسالة ربانية دائمة طوال اليوم ، يخرج أجيال المستقبل ممن يحملون الخير لأنفسهم ولمجتمعهم ولامتهم .
فهلا عاد المسجد لأدواره التي أسس عليها وانفك عنه قيد الأسر والتحييد .
بقلم / صالح محمد الظفيري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق