الجمعة، 2 مارس 2012
الإسلام دين الفطرة
إن الإسلام دين الفطرة ، فالله عز وجل هو خالق هذه الفطرة وهو كذلك منزل هذا الإسلام ، فلا ريب أن ينسجم الإسلام بتعاليمه السامية مع فطرة الإنسان وان يفتح أمامها أبواب الإشباع السليمة لها ، وان يحفظها من كل مؤثر يجرفها عن الجادة .
لكن ما هو مفهوم الفطرة في اللغة والشرع ؟
الفطرة لغة : هي الخلقة التي يكون عليها كل موجود أول خلقة وقد توسع صاحب لسان العرب في بيان معنى الفطرة فقال : ( فطر الشئ يفطر فطرا ، فانفطر ، وفطرة شقة ، وتفطر الشئ أي تشقق ، الفطر : الشق وجمعة فطور .. كما جاء في سورة الملك الآية الثالثة قوله تعالى ( فارجع البصر هل ترى من فطور ) وفي سورة الانفطار الآية الأولى قولة تعالى ( إذا السماء انفطرت ) أي تشققت .
والفطرة : هي الاختراع والابتداع ، قال تعالى في الآية الأولى من سورة فاطر ( الحمدلله فاطر السموات والأرض ) .
والفطرة هي التي يخلق عليها المولود في بطن أمه ، قال تعالى في سورة الزخرف الآية السابعة والعشرين ( إلا الذي فطرني فانه سيهدين ) والفطرة : ما فطر الله عليه الخلق من المعرفة به ومنة قوله صلى الله عليه وسلم ( ما من مولود إلا ويولد على الفطرة ) رواه البخاري ، والمقصود بها السعادة أو الشقاوة ، وفطرة ثانية هي الشهادتان فتلك فطرة الدين ، وقيل : فطر كل إنسان على معرفته ، بان الله رب كل شئ وخالقه ، والفطرة الحالة أي الهيئة .. والمعنى انه يولد على نوع من الجبلة والطبع المتهيئ لقبول الدين ، فلو ترك عليها لاستمر على لزومها ولم يفارقها إلى غيرها ، وإنما يعدل عنه لآفة بشرية – لسان العرب لابن منظور .
الفطرة شرعا :
اختلف العلماء في معنى الفطرة المذكورة في الكتاب والسنة إلى أقوال ، فيروى عن الإمام احمد بن حنبل روايتان في ذلك :
الأولى : الإقرار بمعرفة الله : وهو العهد الذي أخذه الله على الناس في أصلاب آبائهم حتى مسح ظهر ادم فاخرج من ذريته إلى يوم القيامة أمثال الذر ، قال تعالى في سورة الأعراف ( وإذ اخذ ربك من بني ادم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة أنا كنا عن هذا غافلين ) .
والرواية الثانية : أنها الفطرة التي فطر الله عليها العباد من الشقاوة والسعادة ، ويرجح شيخ الإسلام ابن تيمية معنى الفطرة عند الإمام احمد رضي الله عنه أنها الإسلام فقال : (( احمد لم يذكر العهد الأول وإنما قال : الفطرة الأولى التي فطر الناس عليها وهي الدين ، وقال في غير موضوع أن الكافر إذا مات أبواه أو احدهما حكم باسلامة )) ومن معانيها : السلامة خلقة وطبعا وبنية ليس معها كفر ولا إيمان ولا معرفة ولا إنكار ثم يعتقد الكفر أو الإيمان بعد البلوغ إذا ميز
إذا الفطرة هي الميل إلى الحق ومعرفة الله عز وجل والإيمان به والشعور بان لهذا الكون خالقا ومدبراً
والفطرة هي الميل إلى وضع الأشياء في مواضعها والرجوع إلى جوهر المعاني والصفات الإنسانية ، فتعريف الصدق واحد عند كل البشر مع اختلاف أجناسهم وأديانهم ، وهذا أمر فطري وكذلك تعريف العدل والظلم لا يختلف عليه الناس وان خالفوه في واقعهم ومعاملاتهم لكن في معناه وجوهره واحد وهذا أمر فطري ، قال تعالى في سورة الروم : ( فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ، ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) .
قال ابن كثير رحمة الله في تفسير الفطرة : انه تعالى فطر خلقة على معرفته وتوحيده وانه لا اله غيره .
وقال سيد قطب رحمة الله في تفسيره لهذه الآية : ( بهذا يربط بين فطرة النفس البشرية وطبيعة هذا الدين وكلاهما من صنع الله .. وكلاهما موافق لناموس الوجود ، وكلاهما متناسق مع الآخرين في طبيعته واتجاه ، والله الذي خلق القلب البشري هو الذي انزل إليه هذا الدين ليحكمه ويصرفه ويطب له من المرض ويقومه من الانحراف وهو اعلم بمن خلق وهو اللطيف الخبير .
والفطرة ثابتة والدين ثابت ( لا تبديل لخلق الله ) فإذا انحرفت النفوس عن الفطرة لم يردها إلا هذا الدين المتناسق مع الفطرة ، فطرة البشر وفطرة الوجود .
فهناك انسجام تام بين ما في النفس من مشاعر وأحاسيس وقواعد ثابتة حول الكون والنفس والمجتمع و بين دين الله عز وجل وان ما نراه اليوم من انتكاسة للبشرية في ميدان الروح والاجتماع رغم ما وصلت إليه من تقدم علمي ورفاهية مادية دليل على انفصام الفكر بين الفطرة والواقع البائس الذي يعارض الفطرة بل يحاربها ويحاول أن يبدل ثوابت هذه الفطرة ونواميس الله عز وجل في خلقة حتى يوجد ثوابت ونواميس جديدة – وأنا له - تحل محل الفطرة السليمة وانك لترى هذا واضحا جليا في أسلوب حياة الغرب ومن سار في ركابهم .
ونتائج هذا الاعوجاج والارتكاس من اضطراب نفسي وقلق دائم أفضى إلى انتشار معدلات الجرائم والتعدي على النفس والآخرين وما تحياه الأسر من تفكك وتحطم في أواصرها وحياتها وما يعيشه المجتمع من عبث وهرج أوصله إلى حافة الهاوية ، فصيحات العقلاء تدوي منادية بخطورة الأمر وبداية النهاية .
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو يمجسانه )) ثم يقول أبو هريرة اقرؤوا إن شئتم (( فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون ))
وفي هذا الحديث الشريف بين المصطفى صلى الله عليه وسلم حقيقة ثابتة وطبيعة مستقرة في النفس البشرية أنها مفطورة على الخير وأنها مجبولة على معرفة الله عز وجل ومحبته والإنابة إليه وأنها خلقت ولديها الاستعداد التام لقبول الحق والإذعان إليه ونبذ الشر والإعراض عنه فهي طيبة المنبت سليمة الوجهة نقية السريرة ، كما أن الحديث يوضح اثر البيئة الفاسدة على الفطرة وأنها تكون سببا لانحرافها عن وجهتها وان النفس وان كانت في أصلها الخير واختيار الحق إلا أن المؤثرات البيئية الخارجية لها ابلغ الأثر في تغيير وجهتا وطمس هويتها الأصلية .
ويقول الشيخ محمد الصابوني معلقا على هذا الحديث ( وهذا الأصل الذي ارشد إليه الرسول الكريم هو : أن الخير في الإنسان أصيل ، وان الشر فيه عارض ، وانه يخلق على الفطرة السليمة والصفاء والنقاء وان استعداده للخير كامل ، ولكن المجتمع هو الذي يفسده والبيئة التي يعيش فيها هي التي تلوث فطرته وتفسد خلقه ودينه ولاسيما أبواه فهما سبب هلاكه ودماره وسبب فساده أو إصلاحه وسبب استقامته أو اعوجاجه .
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)